جريدة الصباح عدد 4683 بتاريخ 2015/05/07 : ميثاق إصلاح العدالة من زاوية الخبرة القضائية ( 2/2)
الميثاق استعمل الحظوة والمفاضلة في منح الحقوق لمختلف هيآت المهن القانونية والقضائية
بقلم: الدكتور إدريس رواح *
* خبير لدى المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي
خبير لدى المحاكم المغربية والفرنسية
رئيس المجلس الوطني لخبراء العدل

- الإشارة في هذا الإطار، إلى أن الميثاق ميز بين نوعين من الهيآت الخاصة بالمهن القضائية والقانونية، ذلك أن هيأة المحامين تتميز وتنفرد بامتلاك حق التصدي لقرار المجلس التأديبي، بينما هذا الحق غير مخول لهيأة الخبراء القضائيين، مما يجعلنا مجلسا وطنيا لخبراء العدل، نتساءل عن الجدوى من استعمال الحظوة والمفاضلة في منح الحقوق لمختلف هيآت المهن القانونية والقضائية ؟
الإجراء 50 : إحداث هيأة قضائية ومهنية مختلطة على مستوى محاكم الاستئناف تتكون من 3 قضاة، من بينهم الرئيس ومحاميان يمثلان مجلس هيأة المحامين، للبت في الطعون المقدمة ضد القرارات التأديبية وغيرها، الصادرة عن هذا المجلس، مع تخويل الهيأة المذكورة حق التصدي.
الإجراء 53 : وضع هيآت باقي المهن القضائية والقانونية لمدونات سلوك تتضمن القواعد الأخلاقية والمهنية التي يجب الالتزام بها من قبل المعنيين بها مع العمل على نشر هذه المدونات.
الإجراء 54 : نشر الأحكام والقرارات المتعلقة بالعقوبات التأديبية المتخذة ضد المنتسبين إلى مهن منظومة العدالة.
ثالثا : إنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة
اعتبر الميثاق أن تقوية هيآت المهن القضائية والقانونية أمرا مهما قصد مواكبة سيرورة إصلاح العدالة في المغرب، وتماشيا مع التحولات الكبرى التي بات يعرفها العالم والتي تفرض على المنتسبين للمهن القضائية القيام بتحيين دوري وبشكل مستمر لتكوينهم ومعارفهم المرتبطة بالخبرة مهنة قضائية تعرف مستجدات مستمرة وتقنيات تحتاج إلى المعرفة المواكبة لها.
وهذا ما أشار إليه الميثاق من خلال حثه على :
- توفير مؤسسات قادرة على تأهيل مختلف العاملين في هذه المنظومة وتحيين شروط الولوج إلى المهن القضائية والقانونية.
- ضمان جودة التكوين الأساسي والارتقاء بمستوى التكوين المستمر وتوسيع مجال التكوين المتخصص وتقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية والقانونية.
ومن جملة الأهداف الفرعية التي وضعها الميثاق للنهوض بتقوية مؤسسات المهن القضائية والقانونية :
الهدف الفرعي الأول : التأهيل المؤسسي لاحتضان الجودة وضمان التميز.
الإجراء 144 : إحداث مؤسسة لتكوين المحامين، ومعهد وطني للتوثيق ومركز لتكوين العدول والمفوضين القضائيين والخبراء القضائيين.
الهدف الفرعي الثاني : الارتقاء بمعايير وشروط ولوج ممارسة مهن منظومة العدالة
الإجراء بمعايير شروط ولوج وممارسة مهن منظومة العدالة
الإجراءات من 145 إلى 150:) شروط ولوج مهنة القضاء وشروط ولوج مهنة المحاماة)
الهدف الفرعي الثالث : الارتقاء بمستوى وفعالية التكوين الأساسي والتخصصي
جاء في بعض إجراءات الميثاق التنصيص على التكوين التخصصي والأساسي مدخلا لتقوية وعصرنة المهن القضائية، وعلى رأسها مهنة الخبير التي تحتاج إلى برمجة دورات تكوينية وتدريبية سواء التكوين داخل المجلس الوطني لخبراء العدل أو التكوين بشراكة مع مؤسسات، ذات طابع تكويني خارج المجلس أو في إطار عقد شراكات للتكوين .
الإجراء 154 : اعتماد إلزامية التكوين الأساسي لمنتسبي المهن القضائية والقانونية.
الإجراء 156 : إبرام شراكات مع الجامعات لبلورة مسالك التكوين
الإجراء 157 : اعتماد مبدأ إلزامية التكوين المستمر واعتباره حقا وواجبا بالنسبة إلى جميع منتسبي مهن ومنظومة العدالة.
الإجراء 158 : وضع برامج شمولية للتكوين المستمر والتخصصي على صعيد كل مهنة من مهن منظومة العدالة لتحقيق وتحصيل المعارف المهنية .
الهدف الفرعي السادس : تقوية القدرات المؤسساتية للمهن القضائية والقانونية.
جاء في مضامين الميثاق الحث على مأسسة المهن القضائية والقانونية، وإعادة النظر في المؤسسة منها، وذلك بإحداث مجالس وهيآت وطنية للنظر في تنظيم وسير هذه المهن تماشيا مع متطلبات إصلاح العدالة ومضامين الدستور واستجابة لمتطلبات المتقاضي.
الإجراء 170 : إحداث هيأة وطنية للخبراء القضائيين.
الإجراء 171 : انخراط كل المهن القضائية والقانونية في جهود التحديث واستعمال التكنلوجيا في تقديم خدماتها.
المخطط الإجرائي لتنفيذ ميثاق إصلاح منظومة العدالة
وضع ميثاق إصلاح منظومة العدالة مخططا إجرائيا محدد المدة في أفقين زمنيين متقاربين، أولهما أفق (2014-2015) من أجل تنزيل الإجراءات ذات الطبيعة التنظيمية والتشريعية، والتي تشكل أكثر من 50% من المخطط الإجرائي للأهداف الإستراتيجية لإصلاح منظومة العدالة، والتي تجسد الرغبة الحقيقية للمشرع المغربي في الدفع قدما بإصلاح العدالة منظومة ومكونا للنظام الديمقراطي. كما تجسد بداية التنزيل الفعلي والعملي لدستور 2011، بينما تبقى بعض الإجراءات والتي تتطلب حيزا من الزمن، خصوصا لارتباطها بالجوانب التقنية ممتدة في الزمن إلى حدود أفق 2020.
ويبقى تساؤل المجلس الوطني لخبراء العدل مطروحا حول مآل المقترحات المقدمة والمعدة مسبقا، بل والمعبرة عن صدق نوايا هذا المجلس الفتي في المساهمة في إصلاح منظومة العدالة. كما يروم المجلس من خلال مقترحاته أن يتبوأ المغرب الصدارة في العالم العربي والإسلامي بخصوص فتح المجال لإشراك المهن القضائية وعلى الخصوص الخبير القضائي في تحمل مسؤولية تنمية وطنه.
وقد ارتأينا تذكير بعض مطالب الخبراء التي كانت موضوع توصيات المجلس الوطني لخبراء العدل خلال مؤتمره الأول المنعقد بالرباط بتاريخ 31/05/2014 والتي تم رفعها إلى وزارة العدل والحريات، ومن أهمها :
- الحسم في «الخبرة» هل هي مهنة أم نشاط.
- تأهيل مهنة الخبرة والخبير على حد سواء.
- وضع مشروع تكوين الخبراء من خلال برمجة التكوين المستمر والتكوين الأساسي، بالمعهد العالي للقضاء تحت إشرافهم.
- إعادة النظر في شروط ولوج مهنة الخبير والانفتاح على تخصصات تقنية ودقيقة.
وخلاصة، يمكن القول إن الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة لم يف بالغرض المطلوب، وإن جاء مستجيبا لبعض الملتمسات والجوانب التقنية، لكن ينقص الكثير على مستوى النفاذ إلى جوهر وعمق إصلاح المهن القضائية، خصوصا مهنة الخبير القضائي الذي يبذل مجهودات جبارة في إطار إنجاز الخبرة والتي تشكل في بعض الأحيان بمثابة النبراس الذي يستنير به القضاء طريقه في فك رموز شفرات بعض القضايا ذات الطبيعة التقنية المعقدة.
كما أن التطور الحاصل في العالم وفي ارتباطه بالمغرب في إطار من التفاعل والتكامل في ما يخص جلب الاستثمارات وخلق فرص اقتصادية أمام المستثمر الأجنبي، يؤدي إلى ظهور بعض القضايا والإشكالات التقنية التي لا يفك لغزها سوى الخبير القضائي، هذا فضلا عن أن الخبير مطالب باستعمال معارفه وتقنياته قصد الوصول إلى إنجاز خبرة ذات قيمة قضائية وقانوينة تفيد القضاء في حسم النزاع أو إصدار الحكم في الملف موضوع الخبرة .
وبالنظر إلى تشعب تخصصات الخبرة في المغرب، فإنه من اللازم والواجب وضع تصور شمولي تنظيمي ومؤسساتي لهذه المهنة التي يزداد دورها يوما بعد يوم ، وهذا ما يمكن أن نلامسه في الأوراش الكبرى والمخططات التي أعطيت انطلاقتها في المغرب من طرف جلالة الملك، تجاوبا مع التحولات الكبرى العالمية والوطنية.